سورة المدثر - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المدثر)


        


{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلا بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ (53) كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)}
يقول تعالى مخبرًا أن: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} أي: معتقلة بعملها يوم القيامة، قاله ابن عباس وغيره: {إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} فإنهم {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ} أي: يسألون المجرمين وهم في الغرفات وأولئك في الدركات قائلين لهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} أي: ما عبدنا ربنا ولا أحسنا إلى خلقه من جنسنا، {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} أي: نتكلم فيما لا نعلم.
وقال قتادة: كلما غوي غاو غوينا معه، {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} يعني: الموت. كقوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما هو- يعني عثمان بن مظعون- فقد جاءه اليقين من ربه».
قال الله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} أي: من كان متصفا بهذه الصفات فإنه لا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع فيه؛ لأن الشفاعة إنما تنجع إذا كان المحل قابلا فأما من وافى الله كافرا يوم القيامة فإنه له النار لا محالة، خالدا فيها.
ثم قال تعالى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} أي: فما لهؤلاء الكفرة الذين قبلك مما تدعوهم إليه وتذكرهم به معرضين، {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} أي: كأنهم في نفارهم عن الحق، وإعراضهم عنه حُمُر من حمر الوحش إذا فرت ممن يريد صيدها من أسد، قاله أبو هريرة، وابن عباس- في رواية- عنه وزيد بن أسلم، وابنه عبد الرحمن. أو: رام، وهو رواية عن ابن عباس، وهو قول الجمهور.
وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران عن ابن عباس: الأسد، بالعربية، ويقال له بالحبشية: قسورة، وبالفارسية: شير وبالنبطية: أويا.
{بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً} أي: بل يريد كل واحد من هؤلاء المشركين أن ينزل عليه كتابًا كما أنزل على النبي. قاله مجاهد وغيره، كقوله: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124]، وفي رواية عن قتادة: يريدون أن يؤتوا براءة بغير عمل.
فقوله: {كَلا بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ} أي: إنما أفسدهم عدم إيمانهم بها، وتكذيبهم بوقوعها.
ثم قال تعالى: {كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} أي: حقا إن القرآن تذكرة، {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّه} كقوله {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ} [الإنسان: 30].
وقوله: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} أي: هو أهل أن يُخاف منه، وهو أهل أن يَغفر ذنب من تاب إليه وأناب. قاله قتادة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب، أخبرني سهيل- أخو حزم- حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} وقال: «قال ربكم: أنا أهل أن أتقى، فلا يجعل معي إله، فمن اتقى أن يجعل معي إلها كان أهلا أن أغفر له».
ورواه الترمذي، وابن ماجه من حديث زيد بن الحباب، والنسائي من حديث المعافي بن عمران كلاهما عن سُهَيل بن عبد الله القطعي، به وقال الترمذي: حسن غريب، وسهيل ليس بالقوي.
ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه، عن هُدْبَة بن خالد، عن سُهَيل، به.
وهكذا رواه أبو يعلى، والبَزار، والبَغَوي، وغيرهم، من حديث سُهَيل القُطَعي، به.
آخر تفسير سوره المدثر ولله الحمد والمنة وحسبنا الله ونعم الوكيل.

1 | 2